يتحدث جمال عكاشة المشهور بـ”يحي أبو الهمام”، والذي يتولى اليوم قيادة أبرز فروع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء، وهو
“إمارة منطقة الصحراء”، حيث توصف بأنها الفرع الأكبر من الأصل، والأكثر حضورا إعلاميا، في مقابلته مع الأخبار يتحدث أبو الهمام عن تقييمه لـ3 سنوات من التدخل الفرنسي في المنطقة، وعن موقفه من تنظيم الدولة، وعلاقته بمن بايعوه محليا، وكذا علاقة تنظيمه بأنصار الدين وتحرير ماسينا، ويكشف عن عدد من المعلومات لأول مرة.
ينحدر أبو الهمام من حي الرغاية شرقي العاصمة الجزائرية الجزائر، وهو مولود في العام 1978، والتحق بالعمل المسلح في أوساط العقد الأخيرة من القرن الماضي.
ظهر اسمه بقوة بعد وصوله إلى منطقة الصحراء شمالي مالي ابتداء من العام 2004، وواكب تحول الجماعة السلفية للدعوة والقتال من جماعة إقليمية إلى فرع لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
تولى بعيد وصوله للمنطقة قيادة سرية تعرف باسم “سرية الفرقان”، وتوسعت خلال قيادته لها للتحول إلى كتيبة، واختير من طرف قيادة قاعدة المغرب الإسلامي لتولى إمارة الصحراء خليفة لأميرها السابق نبيل مخلوفي الذي توفي في حادث سير في شهر سبتمر 2012، على طريق غاو تمبكتو.
قاد أبو الهمام العديد من العمليات التي نفذها تنظيم القاعدة في المنطقة، ومنها عدد من العمليات التي استهدفت موريتانيا، وكعملية الغلاوية يوم 24 ديسمبر 2007، و”تورين” يوم 14 سبتمبر 2009، وحاسي سيدي غير بعيد من تمبكتو يوم 17 سبتمبر 2010، ومواجهات غابة وقادو على الحدود المالية الموريتانية، والتي بدأت يوم 21 يونيو 2011، إضافة لعملية باسكنو يوم 05 يوليو 2011، والتي كانت عملية مشتركة بين مختلف كتائب تنظيم القاعدة بمنطقة أزواد
كما ينتمي لكتيبته منفذو عملية قتل الأمريكي اكريستوف ليغيت في انواكشوط يوم 19 يونيو 2009.
ضمت سرية التي كان يقودها أبو الهمام أكبر عدد من الموريتانيين، وتحولت لاحقا إلى كتيبة، وأسند أبو الهمام قيادتها بعد اختياره أميرا لمنطقة الصحراء للموريتاني محمد الأمين ولد الحسن، المكنى بـ”أبي عبد الله”، وبعد مقلته في قصف فرنسي في العام 2013 رفقة أمير كتيبة طارق بن زياد الجزائري عبد الحميد أبو زيد، أسند أبو الهمام قيادة الكتيبة لموريتاني آخر يعرف بـ”طلحة الليبي”، وينتمي لأب موريتاني، وأم من عرب أزواد، وعاش لفترة في ليبيا، عرف بعدها بـ”طلحة الليبي”.
وتعتبر مقابلته أمير لمنطقة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي يحي أبو الهمام مع وكالة أول مقابلة له منذ بداية التدخل الفرنسي في الشمال المالي يناير 2013.
فإلى نص المقابلة:
الأخبار: بعد قرابة ثلاث سنوات على بداية التدخل الفرنسي في الشمال المالي، كيف تقدرون تأثيرها على تنظيمكم؟
أبو الهمام: لقد تداعت الأمم على بلاد المسلمين في كل مكان، ومالي هي واحدة من هاته البلدان التي تعرضت لهذا العدوان الصليبي الحاقد، فلقد تألمت فرنسا الصليبية عندما شاهدت المجاهدين في شمال مالي وهم يحكّمون شريعة الإسلام بالسيف واللسان، ويهدمون بنيانها هناك فخرجت من دارها بطرا ورئاء الناس تصد عن سبيل الله، ولكن نسيت وتناست أنّ الله بما يعملون محيط، نسيت أنّ لله جنودا يموتون من أجل دينهم لا يموت جيل منهم إلا بعد أن يسلّم الرّاية للذي بعده والعاقبة للمتقين.
فقام هؤلاء الجنود المجاهدون في أرض مالي للتصدي لهذه الحملة الصليبية الشرسة، وثبتوا ولم يفروا رغم صعوبة الأرض التّي يقاتلون عليها فهي صحراء عارية، ورغم قلّة النصير إلاّ أنّ أهل الحق يعلمون أنّ هذا هو الطريق وهذا هو ثمن الجنّة، قال تعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}، وقال تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونْ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِين} وفعلا ابتلى الله المجاهدين في أزواد بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس فكان منّا من قضى نحبه فتسابق على العمليات الاستشهادية والانغماسية وكان منّا من قتل في مواجهات مع العدو، ورأينا أنواع الجروح المختلفة وكل هذا تمحيص واختبار من الله لعباده المؤمنين ليتبيّن الصادق في إيمانه من الكاذب وكان لسان حال المؤمنين في هذه الحرب {وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيَمَانًا وَتَسْلِيما} ومع كل هذه الابتلاءات والمحن ومع هذا التعتيم الإعلامي الممنهج على هذه المنطقة، لا يزال المجاهدون يكابدون شدّة الحرّ في هذه الصحراء الكبرى، متوكلين على ربّهم لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يحكم الله بينهم وبين عدوّهم بالحق وهو خير الحاكمين.
وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا التدخل الصليبي في شمال مالي نعود إلى الوراء ونتذكر ماذا قالت الحكومة الفرنسية أثناء التدخّل، فقد وعد الفرنسيون بعدّة أمور ومن أهمّها:
أولا: القضاء على الإرهاب في شمال مالي أو على الأقل إبعادهم خارج المنطقة.
ثانيا: إرجاع حكومة موحدة ومستقرة في مالي وإعادة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل عموما.
ثالثا: إعادة الرهائن الفرنسيين إلى بلادهم من غير مفاوضات أي عن طريق القوة.
رابعا: التنمية الاقتصادية.
أما القضاء على الإرهاب أو المجاهدين، فالحمد لله لقد ردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، فالمجاهدون اليوم أصبحوا أكثر انتشارا فقبل الاحتلال الفرنسي كان تواجد المجاهدين في الشمال فقط واليوم وبعد هذا التدخل أصبح المجاهدون في كل التراب المالي من حدود موريتانيا غربا إلى حدود بوركينا شرقا ومن حدود الجزائر شمالا إلى العاصمة باماكو جنوبا، والتحق بالمجاهدين جنود من مختلف القبائل والأجناس، والشعوب اليوم أصبحت واعية أكثر من قبل وحرب العصابات ينتصر فيها الأكثر صبرا وثباتا وهي حرب استنزاف طويلة الأمد ونحن نستمد قوتنا وعوننا من الله سبحانه وتعالى لأننا نقاتل في سبيله، وأبشّر أمّتنا المسلمة أن الجهاد في مالي اليوم يسير نحو الأحسن ولصالح المجاهدين والحمد لله وها نحن اليوم في بداية السنة الرابعة من الاحتلال الفرنسي لأرض مالي المسلمة، ولم تحقق فرنسا أهدافها الرئيسية التي وعدت بها في بداية عدوانها فهذه الحرب كان أهم أهدافها هو القضاء على تنظيم القاعدة وباقي الجماعات الجهادية، فإنّ صمود المجاهدين وإعطائهم الشواهد على بقائهم أحياء ونشطين وقدرتهم على التهديد فهذا يعتبر بحد ذاته انتصارا.
بل نستطيع القول أن فرنسا اليوم تورطت في المستنقع المالي، وأمّا ما اعتبرته انتصارا بسيطرتها على المدن في الأشهر الأولى فقد تسرعت بهذا الإعلان فإنّ المدن قد تخلى عنها المجاهدون وانحازوا إلى الجبال والصحاري وكانوا قد أعلنوا عن هذا الانسحاب في وسائل الإعلام قبل وصول القوات الفرنسية إلى هذه المدن، كما أنه لا يخفى على أيّ خبير عسكريّ أن هذا الانسحاب كان تكتيكيا يتماشى مع المرحلة ونوع الحرب التي هاجمتنا بها فرنسا، ولا شك أن لكل حرب تكتيكاتها الخاصة بها التي تفرضها عليها معطيات الحرب الميدانية والإقليمية، سواء كانت هذه المعطيات على مستوى تسليح الطرفين أو طبيعة الأرض وميدان المعركة أو الموقف الشعبي القريب من الميدان، وغيرها من العوامل التي تفرض على المدافع والمهاجم على حد سواء نوعاً من التكتيك لخوض الحرب.
الوعد الثاني: توحيد مالي تحت حكومة مركزية موحدة وتشكيل جيش وطني موحد يضمن لهم مصالحهم ويحقق الأمن والاستقرار في البلاد وبذلك يتم القضاء على ظاهرة المليشيات المسلحة. واليوم والحمد لله هذا الأمن والاستقرار فقدوه هم في عواصمهم وفاقد الشيء لا يعطيه، وإذا لم نبالغ فنقول إن أبرز نجاح حققته الحملة الصليبية الفرنسية في المنطقة هو إعادة تقسيم البلاد المالية إلى مليشيات وحركات مسلحة ممزقة مفرقة تتناحر وتتقاتل فيما بينها، وأهلنا في أزواد يعرفون هذه الحقيقة فقبل الاحتلال الفرنسي لم يكن في المنطقة إلا جبهتين واحدة للعرب والأخرى للطوارق وهي الآن عميلة للفرنسيين، و أمّا اليوم فننظر كم من جبهة أنشأت من حدود موريتانيا غربا إلى النيجر شرقا، فقد أصبح تقريبا لكلّ قبيلة جبهة لوحدها، عندها سلاح وسيارات ولها أهدافها الخاصة، وبهذه السياسة الماكرة من طرف المحتل ازدادت الشحناء والبغضاء بين القبائل والشعوب في المنطقة وكثر الفساد بكل أنواعه وأصبح الأمن تقريبا شبه منعدم، والناظر بعين الإنصاف يقارن في قضية الأمن والاستقرار بين التسعة أشهر التي كان فيها الحكم للإمارة الإسلامية كيف كانت تعيش الشعوب داخل وخارج المدن وبين الثلاث سنوات التي مضت تحت سيطرة فرنسا وحلفائها وقوات حفظ السلام كما يسمونها.
أما فيما يخص الرهائن الفرنسيين الخمسة الذين كانوا عندنا، فقد وعَدَنا المغرور هولاند عبر وسائل إعلامه بأنه لا يتفاوض مع الإرهاب حول مواطنيه أي بمفهوم آخر سوف يحررهم بقوة السلاح، وحقيقة الأمر أنهم في بداية الحرب حاولوا بكل ما لديهم من قوة وسخّروا كل ما لديهم من سلاح ومال وعملاء حتى وصل بهم الأمر أن يطلبوا من الأعراب في البوادي أن يعينوهم بمعلومات حول مكان الرهائن مقابل إغراءات مالية كبيرة ولكن خيب الله سعيهم. واليوم والحمد لله نطلب من الشعب الفرنسي أن يحاسبوا رئيسهم لأنه أخلف وعده الذي وعد به ويسألوه عن الكيفية التي تم بها تحرير مواطنيهم من قبضة التنظيم فسوف يجيبهم ولا أظنه يكذب عليهم لأنه هو من كان يدير المفاوضات ويعلم أننا قد وثقنا مراحلها والشروط التي استجيب لنا فيها ومن أهمها الإخوة المجاهدون السبعة الذين أطلق سراحهم من السجون المالية وهناك مطالب مهمة أخرى استجيب لنا فيها وجاءتنا ضمن هذه المفاوضات ولا أريد الإفصاح عنها.
وأما موضوع التنمية الاقتصادية في البلاد وإعانة الشعب المالي الفقير، فهذا كذلك لم يحدث منه شيء، فأرض أزواد لا زالت كما هي ولم يتغير فيها أي شيء على كل الأصعدة منذ بداية الاحتلال الفرنسي إلى يومنا هذا، ونحن هنا نتكلم على التنمية، التغير الوحيد هو بناء الثكنات المحصنة في الشمال والمطارات العسكرية التي صرفوا عليها الأموال الطائلة لتوفير الحماية الكافية لجنودهم. وأما أهلنا في أزواد لم ينظر إليهم أحد وهذا واقع مرّ يعرفه كل سكان المنطقة الأزوادية فالحكومة المالية زيادة على أنها مرتدّة وعميلة للغرب الصليبي، فهي عنصرية بدرجة كبيرة فكل الإعانات التي تقدمها الدول تصرف في الجنوب، وكل الاستثمارات والفوائد والشركات موجودة كذلك في الجنوب أي بعبارة أدق في أرض السود، حتى بعض الأمور المهمة التي هي من ضروريات الحياة كالمستشفيات والكهرباء والمياه الصالحة للشرب لم توفرها الحكومة المالية لأهل الشمال ولا أبالغ إذا قلت إن أرض أزواد كلها التي يسكنها البيض لا يوجد فيها ولا كيلومتر واحد معبد ولا يوجد فيها أي مستشفى يصلح لعلاج البشر ولا توجد فيها أي شركة أو مؤسسة ولو واحدة لتشغيل الشباب، فحقيقة الأمر أنّ الشعب المالي المسلم لم يستفد من أي شيء من هذه الوعود الكاذبة، بل المعاناة التي كان يعاني منها قبل الاحتلال من القهر والفقر والتهميش اليوم ازدادت والله المستعان.
الأخبار: لنبدأ من عملية فندق راديسون الأخيرة في باماكو؟ كيف تمت هذه العملية؟ وما دلالة اشتراككم مع جماعة المرابطون في تنفيذها؟
أبو الهمام: العملية قام بها بطلين من أبطال الإسلام رحمهما الله، ونسأل الله أن يتقبلهم في عداد الشهداء، الأخ معاذ من التنظيم، والأخ عبد الحكيم تابع لإخواننا في المرابطين. وبالنسبة للطريقة التي تمت بها العملية المباركة سنعلن عليها في الوقت الذي نراه مناسبا، أما دلالة اشتراكنا مع إخواننا في المرابطون فالحمد لله لقد وفّق الله إخواننا لخير عظيم وأعلنوا انضمامهم، للتنظيم فجزاهم الله خيرا بعد أن تيقنوا بأنه لا يصلح للمسلمين وهم يواجهون جيوش الصليب بصفوف متبعثرة وقلوب متنافرة، واليوم وبفضل الله توحدت الجهود وتراصت الصفوف تحت جماعة واحدة وهي جماعة قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي، بقيادة الشيخ الحبيب أبي مصعب عبد الودود – حفظه الله -، وعلى هذا قمنا نحن في الصحراء الكبرى بتشكيل مجلس شوري مشترك بيننا وبين إخواننا في المرابطين للتعاون ولدراسة إستراتيجية عمل موحدة، يكون التركيز فيها على استهداف الصليبيين بالدرجة الأولى في الداخل والخارج، ويكون التركيز على بذل كل جهودنا في استهداف الفرنسيين بالأخصّ، والحمد لله بعد حلقاتنا الأولى في هذا المجلس المبارك مباشرة، وفق الله للقيام بهذه العملية النوعية التي أفرحت المسلمين وأغاظت الكفّار والمنافقين، وهذا إن دلّ فإنّما يدلّ على بركة الوحدة، فالحمد لله أولا وآخرا.
الأخبار: ما دلالة ورود “وسط مالي” – فضلا عن شمالها – في بيان تبني عملية “فندق راديسون”، وهل يعني ذلك إعلانكم عن انضمام هذه المنطقة لمنطقة وجودكم التقليدية في الشمال المالي؟
أبو الهمام: في بداية الحرب كان جلّ تواجدنا في الشمال وهذه الإستراتيجية فرضها علينا الواقع الذي كنا نعيشه في تلك المرحلة، وبعدها فتح الله علينا من عدة جوانب وقررنا توسيع مناطق انتشارنا لإجبار العدو على التبعثر وجعله ضعيفاً في كل مكان، ولوضع العدو أمام معضلة كبيرة تتمثل بالتبعثر لحماية كل الأهداف، خاصة وأن منطقة الصحراء الكبرى واسعة، ولا يمكن لبضع آلاف من جند الصليب أن يسيطروا عليها بسهولة، فصحراء أزواد لوحدها مساحتها أكبر من فرنسا وبلجيكا. فعلى هذا قرر الإخوة المجاهدون في كل الجماعات العاملة توسيع مناطق نشاطهم والتمدد والتوغل إلى الوسط وحتى الجنوب، ورأينا أنه لا بد لنا في هذه المرحلة من مراعاة هذه التكتيكات لتؤدي المرحلة هدفها بتشتيت قوة العدو بأكبر قدر من الخسائر في صفوفه واستنزاف قدراته، ويكون أقل قدر من الخسائر في صفوف جنودنا، خاصة وأن الأرض في وسط مالي تختلف عن الصحراء التي هي في الشمال من حيث اختلاف البيئة، فوسط مالي معروف بغاباته وكثرة مياهه وفيه حتى بعض المناطق الجبلية.
وللجواب على سؤالكم بشكل أكثر وضوحا؛ يوجد لمنطقة الصحراء الكبرى تواجد في تلك المناطق، وكذلك إخواننا في المرابطون، وإخوتنا في أنصار الدين هم الأكثر تواجدا في هذه المناطق.
الأخبار: تركزت عملياتكم منذ التدخل الفرنسي في الشمال المالي في استهداف جنود القوات الدولية الموجودة في المنطقة، هل هي إستراتيجة واعية؟ أو انعكاس لتأثير العملية؟
أبو الهمام: نحن نراها إستراتيجية صالحة خاصة مع الحرب الشرسة التي حاربتنا بها فرنسا، وفي نفس الوقت فرضها علينا الواقع الذي كنا نعيشه، ذلك الوقت في بداية الحرب، وهناك أمر مهم هو الذي كان يقف دائما عائقا في طريقنا للوصول إلى الوسط والجنوب المالي في ذلك الوقت، وهو نهر النيجر الذي يفصل بين الشمال والجنوب، واليوم والحمد لله هذه المرحلة اجتزناها، بل أنعم الله على المجاهدين وكونوا كتائب وسرايا من أبناء المنطقة من إخواننا السود من قبائل فلان والبونبارى والسونغاي، وأصبحت هذه السرايا هي التي تقوم بالأعمال القتالية هناك، ولم تعد لنا حاجة لإرسال إخوة إلى الجنوب، وقد يطرح السؤال لماذا تأخرنا في تفعيل هذه الإستراتيجية؟ فنقول لأننا اليوم نخوض حرب عصابات، ورجل العصابات ينطلق من واقعه الذي يعيشه، فنحن اليوم نخوض هذه الحرب في صحراء جرداء ومساحتها شاسعة، وحسب الخبراء العسكريين أنّ أسوأ ميدان بالنسبة لرجل العصابات هو ميدان الصحراء، فالصحراء بالنسبة لرجل العصابات مهلكة، فالعدو يستخدم في حربه ضد رجل العصابات القوات البرية ويركز بالتحديد على القوات الجوية، وميدان الصحراء هو ميدان مفتوح للطيران وميدان متاح للآليات أن تحاصر وتلتف وتهاجم بسهولة، ولكن في المقابل هي مهلكة ومكلفة بالنسبة للعدو المهاجم خاصة إذا كان هذا العدو يتعامل مع رجال قد عركتهم المحن والتجارب، وأصبحوا يتقنون التمويه و الاختفاء عن طائراتهم التجسسية، وقد عاشوا في فيافي الصحراء سنوات عديدة، وتعودوا على شدة حرارتها وقروصة بردها ولله المنّة والفضل أوّلا وآخرا.
الأخبار: فقدتم خلال هذه العملية العديد من قيادات الصف الأول، مثل عبد الحميد أبو زيد ومحمد الأمين ولد الحسن، وغيرهما، هل ترون أن بإمكان التنظيم ملأ الفراغ الذي تركوه؟
أبو الهمام: أوّلا أترحم على هؤلاء القادة الأبطال وغيرهم من إخواننا الذين قتلوا في هذا الطريق على أيدي الصليبيين وحلفائهم، ونحن نعلم أن كثرة قتل القادة والأمراء والخِيارِ من العلماء والصلحاء وغيرهم في الجهاد أمرٌ واقعٌ فيما مضى ومتوقّعٌ في كلِّ حينٍ وهذا هو الطريق قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} صحيح أنهم تركوا لنا فراغا كبيرا في التنظيم ومن الصعب أن نجد أمثالهم، ولكن تعلمنا أن عجلة الجهاد لا تتوقف بمقتل أي قائد أو أمير مهما كان قدره، لأن هذا الجهاد يسير بمعية الله وبعونه ومن كان الله في عونه فلا يخيبه، فأسامة بن لادن رحمه الله هو من أسس هذا الـتنظيم ومعه ثلة من المشايخ الكرام، وبالأمس القريب قتل الشيخ أمير التنظيم رحمه الله على أيدي القوات الأمريكية وفرح الأمريكيون والغرب الكافر عموما بمقتل الشيخ وقالوا بأنهم قد قضوا على التنظيم واستراحوا من خطره، فهل تحققت أمانيهم وتحقق لهم الأمن الذي كانوا يحلمون به وينشدونه،أم ازداد خوفهم من توسع التنظيم في عدة مناطق لم يكن فيها من قبل، فاليوم وبفضل الله فروع قاعدة الجهاد منتشرة من مالي غربا إلى شبه القارة الهندية شرقا، وعلى العلم نحن نؤمن بهذه القاعدة “إنّ صدق دعوتنا في استشهاد قادتنا” ونحن لا نعد القتل في هذا الطريق خسارة ولا الهزيمة في معركة من المعارك نهاية، ونحن على يقين بأن النصر هو حليفنا ووعد الله سوف يتحقق. وليعلم كل مسلم غيور على دينه أن الإسلام كالسراج وقوده دماء الشهداء وأن ارتفاع عدد الشهداء في مواجهة الأعداء يعني مزيدا من النور واقترابا من النصر بإذن الله.
الأخبار: ما علاقتكم بتنظيم الدولة الإسلامية؟ وهل تواصلتم معهم؟ وما موقفكم من الخلافة التي أعلنوها منذ فترة؟
أبو الهمام: أما عن علاقتنا بتنظيم الدولة الإسلامية فقد فصَل فيها وأجاب عنها أميرنا الشيخ أيمن الظواهري حفظه الله ورعاه في السلسلة المعروفة بالربيع الإسلامي، وأما بالنسبة لموقفنا من الخلافة التي أعلنوها فلا بد أولا من تصور الخلافة في مفهوم الشرع تصورا صحيحا حتى نحكم عليها حكما صحيحا لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فنحن الذي ندين به لله تعالى هو ما قرره العلماء الصادقون بأننا لا نعترف بشرعية هذه “الخلافة” ولا نرى مشروعية بيعتها ولا نرى أنها على منهاج النبوة، فـ”منهاجُ النبوة” هو منهاجُ الشورى ومنهاجُ التراضي بين الأمة، منهاجُ الرحمة والرأفة بالمؤمنين، منهاجٌ يقوم بالعدل والحكمة، “منهاجُ النبوة” ليس منهجَ قتال أهل الإسلام وخيار أهل الإسلام من الجماعات المجاهدة، “منهاج النبوة” ليس “شقَ الصفوف” وتفريق “الجماعات العاملة لنصرة الدين” ولا نعترف بها ولا نوجب على المسلمين بيعتها.
وهنا أمر مهم أريد أن أبينه وهو أننا منذ بداية هذه الفتنة بين الإخوة في أرض الشام التزمنا الصمت ولم نصدر أي شيء في هذا الموضوع لعدة أسباب ليس هذا محل بسطها، ولكن الكلمات الأخيرة للمتحدث الرسمي للدولة أظهرت لنا الكثير من الأمور التي كانت مبهمة لكثير من الشباب عندنا، وعلى هذا السبب أفصحنا عن موقفنا من الدولة وتصرفاتها، أما موضوع الخلافة فهو أمر شرعي وقناعتنا ببطلانها هو في بداية إعلانهم لها.
الأخبار: ما حقيقة علاقة تنظيم القاعدة “وإمارة الصحراء على وجه التحديد” بحركة أنصار الدين، وبجبهة تحرير ماسينا؟
أبو الهمام: أمّا عن العلاقة التي تربطنا بجماعة أنصار الدين وجبهة تحرير ماسينا فمبناها على أمرين:
الأمر الأول: أنّ عمل تنظيم قاعدة الجهاد في ميدان الدعوة والجهاد هو عمل تكاملي مع باقي الجماعات الجهادية، لأنّ من مقاصد التنظيم إقامة جماعة المسلمين “الخلافة الراشدة” التي تكون على منهاج النبوة، ويعتبر هذا هدفا مقدّسا يجب أن يحرص عليه كلّ المسلمين ويتعاونوا وينسقوا فيما بينهم، وأن يسعى الكلّ في تحقيق هذا الهدف، كل حسب طاقته.
الثاني: هو معروف أنّ من صفات أهل السنّة والجماعة الولاء والبراء، نوالي من والى الله ورسوله والمؤمنين ولو كان أبعد بعيد، ونعادي من عادى الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، وقال تعالى: {إنّما المؤمنون إخوة} الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره”، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما)… فأحباؤنا في جماعة أنصار الدين تربطنا بهم علاقة طيبة ومتينة، فهم إخواننا في الدين والعقيدة، وعندنا نفس المنهج والأهداف، لكن نختلف معهم في طريقة العمل للوصول لهذه الأهداف، فتنظيم القاعدة الإستراتجية التي يعتمد عليها في عمله الجهادي معروفة فخطة قاعدة الجهاد تقوم على فكرة تطوير العمل الجهادي كمّا ونوعا، والسعي لتوسيع رقعة الجهاد ليشمل كل الدول التي احتلت من طرف الكفار ثم خرجوا منها وتركوا وراءهم وكلاءهم وعملاءهم يحكمون المسلمين بسياسة الحديد والنار، وباختصار شديد يرون أنه من واجبهم الجهاد حتى يسترجعوا كل شبر من أراضي المسلمين، وأما إخواننا في أنصار الدين فهم يرون بالجهاد المحلي، وهدفهم هو إقامة إمارة إسلامية في أرضهم – أي دولة مالي – يحكمون فيها الشريعة الإسلامية في جميع مناحي الحياة، ويرفضون كل الدعوات الجاهلية من ديمقراطية وعلمانية وعنصرية، وهذا الاختلاف الذي ذكرناه هو بسيط ولا يمنعنا من التنسيق والتعاون معهم، فنحن وبحمد الله عندنا عدة لقاءات تشاورية مع إخواننا في هذه الجماعة وعلى رأسهم الشيخ المفضال أبا الفضل أمير الجماعة حفظه الله، فننسق ونتعاون معهم في كل الأمور المتعلقة بالحرب داخل مالي، وبالنسبة للإخوة في جبهة تحرير ماسينا فينطبق عليهم نفس الحكم في تعاملنا مع جماعة أنصار الدين.
الأخبار: وصلت علاقة تنظيم القاعدة في بعض المناطق بفروع تنظيم الدولة الإسلامية درجة المواجهة العسكرية، كيف ترون هذا الموضوع؟ وما هي علاقتكم بجناح جماعة “المرابطون” الذي أعلن بيعته لهذا التنظيم؟
أبو الهمام: نرى بأن هذه فتنة عظيمة ابتلانا الله بها وهي الاقتتال بين المسلمين وخاصة في هذا الوقت الذي تكالب فيه أعداء الإسلام من كل مكان وتحالفوا على أمتنا المسلمة، ففي هذا الوقت الذي من المفروض أن تتوحد جهود المجاهدين ويوجهوا بنادقهم إلى صدور أعداء الملة، نرى ما يحزننا ويؤلمنا والله المستعان.
ولا أريد التعمق في هذا الموضوع لأن أهل العلم الربانيين وأمراءنا الصادقين قد تكلموا في هذا الموضوع بما فيه الكفاية، والذي نقوله نحن في منطقة الصحراء الكبرى، هو أننا ندعو الله أن يحقن دماء المسلمين والمجاهدين، ويلم شملهم ويصلح ذات بينهم، وأسأله سبحانه أن يرفع عن أمتنا هذا البلاء.
أما علاقتنا بجماعة “أبي الوليد الصحراوي” التي أعلنت بيعتها للدولة فهي لحد الآن علاقة عادية ويربطنا بهم اتصال، وندعو لهم الله أن يهديهم ويردهم للحق ردا جميلا.
الأخبار: ما هي رسالتكم لدول المنطقة؟ وللقوى العالمية الفاعلة فيها؟
أبو الهمام: رسالتنا إلى دول المنطقة وخاصة الدول التي تحالفت مع الفرنسيين في احتلال أراضي المسلمين، نقول لهم إن قوة المجاهدين لا تكمن في عدتهم ولا عددهم، فإن ذلك لا يقارن بقوتكم وعددكم، ولكن قوتهم في العقيدة التي يحملونها والثبات على المبادئ التي يريدون تحقيقها، والصبر على ذلك، حتى ينالوا إحدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة، فصحيح أننا نقاتل دولة من أقوى الدول في العالم وهي لوحدها، فكيف بها وقد تحالفت مع دول أخرى مثلكم، هذا بالمقاييس المادية ولكن تيقنوا أننا بهذه الأسلحة البسيطة التي نواجهكم بها سوف يكون النصر حليفنا بإذن الله، النصر حليفنا لأن هناك فرق بيننا وبينكم، الفرق الذي بيننا وبينكم أننا نقاتل لنصرة دين رب البشر العادل، وأنتم تقاتلون لنصرة قانون البشر الظالم، نقاتل لرفع الظلم والعدوان واسترجاع حقوق أمتنا المسلوبة، وأنتم تقاتلون دفاعا عن أسيادكم الصليبيين وتعينونهم في عدوانهم وظلمهم على المسلمين، ونؤكد لكم أن الحروب في آخر المطاف لا تحسم على أساس القوة المادية بل على أساس قوة العقيدة وعدالة القضية ورفعة المبادئ، ولكم في الروس والأمريكان ومن تحالف معهم عبرة، ولا أظنكم تعتبرون لأن أسيادكم وأولياءكم الفرنسيين انهزموا في أفغانستان وخرجوا منها مدحورين ولم يعتبروا، واليوم جاؤوا ليسترجعوا مستعمراتهم القديمة، وأتوا بكم لتكونوا وقودا لهذه الحرب الظالمة. ونريد أن نؤكد لكل دول المنطقة المتحالفة مع فرنسا والتي شاركت معها في هذه الحرب الصليبية على أمتنا المسلمة، أننا وبإذن الله لن ندّخر جهدا في السعي لاستهدافهم واستهداف مصالح الغرب في بلدانهم ولو بعد حين والأيام بيننا.
وأما فرنسا الصليبية فنقول لها إننا فرحنا وحمدنا الله تعالى أن أشفى صدورنا، ورزقنا رؤيتكم وأنتم تبكون على أبنائكم الذين هلكوا، كما أبكيتم أمهات المسلمين، وشاهدناكم وأنتم خائفين هلعين في عاصمتكم، كما أخفتم وروعتم المسلمين في بلدانهم، وهذا الذي ذقتم هو اليسير مما أذقتموه للمسلمين، ونذكركم أيها الفرنسيين بما قاله زعيمكم المغرور هولاند، زعم بأنّ تدخله العسكري في مالي كان هدفه الأساسي هو منع الجهاديين من الوصول إلى العاصمة المالية باماكو، واليوم وبفضل الله جاءه ما كان يخشى، فقد وصل المجاهدون إلى باريس العاصمة الفرنسية، عاصمة الأنوار كما يحلو للبعض تسميتها، واستهدفوا كذلك باماكو، والحقيقة التي نريدها من الشعب الفرنسي أن يعقلوها ويفهموها وهي أن يفكروا بصدق ويقارنوا حالهم قبل غزوهم لأراضي المسلمين، كيف كان من ناحية الأمن والاستقرار وكيف كان من ناحية الاقتصاد، واليوم وبعد حربهم هذه فلينظروا ما آل إليه وضعهم.
وخلاصةُ القول: نقول لهم ما قاله شيخنا أسامة رحمه الله “نحن لا نطلب باطلاً ولا شططاً، وإنما من العدلِ أن ترفعوا ظُلمكم وتسحبوا جنودكم، ومن العقل أن لا تسيئوا إلى جيرانكم، وإذا كانت أوروبا تعاني من الأزمة الاقتصادية اليوم، وإن كان قلبها قد تراجع عن المركز الأول للصادرات في العالم، وإن كانت أمريكا تترنح بداءِ نزيفِ الحرب الاقتصادي، فكيف سيكون حالكم بعد أن تنسحبَ أمريكا وبإذن الله لنقتص للمظلومِ من الظالم؟ فالسعيدُ من وُعِظ بغيره، ودرهمُ وقاية خيرٌ من قنطار علاج، والرجوعُ إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل” ونقول لكم كذلك إن رئيسكم هولاند وعدنا بالهزيمة والله وعدنا بالنصر، وسنرى أي الوعدين ينجز.
وأما بالنسبة لدول المنطقة التي لم تشارك بجنودها في هذه الحرب الصليبية، وتعاملت معنا بالحياد فسنعاملها بالمثل.
الأخبار: هل من كلمة أخيرة؟
أبو الهمام: نريد أن نرسل رسالة لأمتنا المسلمة عامة ولأهلنا في أرض مالي خاصة، فنقول مستعينين بالله إن أبناءكم المجاهدين دائما يعلنون رسائلهم للعالم بصراحة وصدق ويعلنون بأنّ هدفهم الأكبر هو إعادة الإسلام إلى واقع الحياة، الإسلام الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم ودعا إليه وعمل به، لا الإسلام الذي تريده فرنسا وأمريكا، إننا نسعى لطرد الغزاة الصليبيين من كل أراضي المسلمين، كما أننا نسعى لإزالة الحكام المرتدين الذين تسلطوا على رقاب المسلمين واستبدالهم برجال ربانيين يحكمون شريعة رب العالمين، ونسعى لتطبيق القرآن وجعل كلمة الله هي العليا ونسعى لاسترجاع عزّة المسلمين وشرفهم ومجدهم، ونسترجع حقوقهم وخيراتهم المسلوبة، ومن أجل هذا كله سنظل نسعى ونجاهد حتى تتحقق لنا هذه الأهداف كلها أو نهلك دونها.
ولأهلنا المسلمين في مالي نقول لهم يا أهلنا في مالي يا من تتطلعون للحياة الكريمة حياة العز والشرف، اعلموا أنه لا شرف لكم ولا عز ولا كرامة إلا تحت ظل شريعة الإسلام، وإن الأحداث التي مرت بنا في هذه السنوات الأخيرة كشفت لكم عن الأولياء الصادقين والأعداء الغادرين، وكشفت الثابتين على دينهم من الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وحالفوا النصارى أعداء الدين وقاتلوا معهم أولياء الله المجاهدين، تحت ذريعة تحرير أزواد وطرد الجيش المالي، فلا أزواد حرروا ولا الجيش المالي طردوا، بل دينهم وشرفهم ضيعوا، واليوم وبعد أن انكشفت الحقيقة نقول لأهلنا المسلمين في مالي، اعلموا وتيقنوا أن عدوكم الأول هم الفرنسيون وحلفاؤهم الذين جاؤوا إلى أرضكم لسلخكم عن دينكم، ولسرقة خيراتكم وانتهاك أعراضكم وحرماتكم، فإلى متى وأنتم صامتون ولا تتحركون، فها هم إخوانكم المجاهدون يدعونكم وينادونكم للالتحاق بركبهم ويحرضونكم للاستجابة لأمر ربكم ونصرة دينه قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فاليوم لا يعذر مسلم قادر بالقعود على الجهاد المتعين بحجة الخوف أو غيره من الأعذار الواهية، بل هذا مما يزيد الأمر وجوبا قال شيخ الإسلام رحمه الله “لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفع العدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا فدفعه واجب إجماعا” وننصحكم بأن لا تسمعوا للمثبّطين والمخذّلين الذين نسوا قوة الله عز وجل، وغّرتهم قوة العدو الكافر، ولقد جاء في السير أن رجلا قال لخالد بن الوليد رضي الله عنه يوم اليرموك: (ما أكثر الروم وأقل المسلمين).
فقال له خالد رضي الله عنه: (بئس ما قلت. إن الجيوش لا تنصر بكثرة العدد وإنما تنهزم بالخذلان).
وَاعْلَمُوا – أَصْلَحَكُمْ اللَّهُ – أَنَّ النُّصْرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بإذن الله مَقْهُورُونَ مَقْمُوعُونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَاصِرُنَا عَلَيْهِمْ وَمُنْتَقِمٌ لَنَا مِنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَابْشِرُوا بِنَصْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِحُسْنِ عَاقِبَتِهِ {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ تَيَقَّنَّاهُ وَتَحَقَّقْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وأما رسالتي إلى العلماء، أقصد العلماء الصادقين العلماء الذين يعيشون هموم أمتهم المكلومة، وخاصة علماء شنقيط نقول لهم إن الله رفع منزلتكم وأعلى من شأنكم فقال {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
فيا أيها العلماء الصادقون في شنقيط والدعاة والمصلحون في كل مكان:
أنتم الذين يجب أن تتقدموا الصفوف الأولى، وتقودوا الأمة، وتوجهوا مسيرتنا الجهادية؛ فذلك هو مقتضى وراثتكم للنبوة.
إن واجبكم الأول هو بيان الحق للأمة، والصدع به في وجوه الظلمة دون خوف؛ إن واجبكم هو نصرة المسلمين الذين يقتلون في كل مكان على أيادي الصليبيين الحاقدين، إن واجبكم هو كشف حقيقة هؤلاء الحكام الخائنين، إن واجبكم هو تحريض شباب المسلمين على جهاد الصليبين والسعي لإخراجهم من أراضي المسلمين، فذلك هو مقتضى الميثاق الذي أخذه الله عليكم {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيّننه للناس ولا تكتمونه..}.
فيا أهل العلم في شنقيط الحبيبة، شنقيط.. منارة العلم والعلماء، ها هم إخوانكم المجاهدون في أرض مالي المسلمة، على مرمى حجر منكم يستنصرونكم، والطريق مفتوح للوصول إليهم، تحتاج فقط منكم عزيمة صادقة وتوكل على الله، ثم تلتحقون بركب إخوانكم في أرض العز والجهاد، فبهذا تحققوا العمل بفتواكم المباركة التي أصدرتموها في بداية الحرب وتكونوا حقا علماء ربانيين، وإن لم تقدروا على هذا الأمر أي الجهاد بالنفس، وهو واجب متعين عليكم، فلا يفوتنكم الجهاد باللسان والبيان.
وراية الحق تبكى أهل نصرتها *** فليس في أرضنا من يرتجى حينا
وأصبح القرد والخنزير يحكمنا *** وارتج في حلقه دمع المواسينا
غبار خيل الوغى تشتاقه رئتي *** ومقبض السيف يبكي من تجافينا
هل ينبري فارس لله بيعته *** يحي قلوبا عتت عن أمر بارينا
ويبعث الطهر نوراً في أجبتها *** ويقتفي راشداً درب النبيينا
وفي الختام إلى كل من يسمع صوتي فإنني أقول إن أعظم الحق في هذا الزمان هو الجهاد ومقاتلة الكفار وإن أعظم الصبر هو الصبر في ساحات الوغى والنزال، وإن أعظم دعوة يدعوا بها الإنسان في هذا الزمان هي دعوة المسلمين إلى أن يلتزموا دين ربهم وأن يتقدموا لأجل أن يحموا أمتهم من هذه الهجمة الكافرة الشرسة على كل الأمة الإسلامية.
ولا أنسى في هذا المقام أن أدعوا الله أن يفرج كرب أهلنا في فلسطين الحبيبة وينصرهم على اليهود الغاصبين، وكذلك إخواننا وأهلنا الأعزاء في أرض الشام المباركة ندعو الله لهم بأن ينصرهم على النصيرية ومن حالفهم والصليبيين ومن شاركهم، كما ندعو الله لكل المجاهدين في جميع الساحات بالنصر والثبات. كما لا يفوتني أن أذكّر إخواني المساجين في كل مكان، إخواننا الذين أسروا في طريق الجهاد أسروا ظلما وعدوانا لا لشيء إلا أنهم دافعوا عن لا إله إلا الله، نقول لهم إننا والله لم ننساكم، وإننا نسعى ونطلب العون من الله لفكاك أسركم بكل ما نستطيع، فأوصيكم إخواني بكثرة الدعاء والتضرع لله عز وجل ولا تنسونا من صالح دعائكم.