وكالة الحضارة للأنباء موقع اخباري موريتاني حر
مقالات مشابهة
في قلب الصحراء حيث تلتقي روافد الهوية في بوتقة واحدة تبرز قضية تشغل الضمير الوطني وتستدعي التأمل العميق إنها ليست قضية أجنبي أو غريب بل هي معضلة تنبع من الداخل من عيون تختزل الانتماء في دائرة ضيقة وتغفل عن الأفق الأوسع الذي تشكله لوحة الوطن الغنية بألوانها المتعددة.
فالانتماء الحقيقي ليس حكرا على لون أو قبيلة أو عرق بل هو ذلك الشعور الجامع الذي يذوب فيه الفرد في بوتقة الوطن الكبير. لكن المشكلة تتفاقم حين تتحول هذه الروابط الطبيعية الفطرية التي من المفترض أن تكون مصدر قوة وتنوع إلى أدوات تستخدم لأغراض ضيقة خارجة عن إطار المصلحة العليا للوطن؛ عندها فقط تتحول هذه الصلات إلى قيود تكبل التقدم وتصبح الحرية التي يتغنى بها الجميع وهما كبيرا لأن الإنسان المقيد بانتماءات ما قبل الدولة لا يمكن أن يكون حرا بالمعنى الحقيقي.
في هذا السياق تستغل العصبيات بمختلف أشكالها، سواء كانت قبلية أو مناطقية أو لونية لتصبح أداة في صراعات هامشية تفتت النسيج الاجتماعي وتصرف الأنظار عن القضايا المصيرية الحقيقية إنها آلة تقسيم ترهن مستقبل الأجيال في سوق المصالح الشخصية الضيقة فتضيع بذلك فرص البناء والتنمية ويغيب مفهوم المواطنة الكاملة التي تتساوى فيها الحقوق والواجبات.
ولمواجهة هذا التحدي فإن الحكمة تكمن في القدرة على الارتقاء فوق هذه المصالح الضيقة والوعي بأن قوة الوطن لا تأتي من تجانس أبنائه قسرا بل من قدرتهم على العيش معا في ظل اختلافاتهم، معتبرين إياها مصدر إثراء لا نقطة خلاف فالكرامة الإنسانية لا يمنحها لون البشرة أو النسب بل يمنحها الإخلاص للوطن والإسهام في بنائه والوحدة ليست شعارا يرفع بل هي ممارسة يومية تقوم على الاحترام المتبادل والعدل. والوعي هو السلاح الأقوى لمواجهة ثقافة التفرقة وهو النور الذي يضيء الطريق نحو غد أفضل.
فجوهر بناء الأمة الصلبة المتينة القادرة على مواجهة التحديات لا يقوم على أساسات هشة من العصبيات بل يقوم على ركائز راسخة من الكرامة للجميع والوحدة في ظل التنوع والوعي بمخاطر الانقسام؛ إنها الدعوة إلى أن ننظر إلى موريتانيا ككل متكامل حيث يكون كل مواطن لبنة قوية في صرحها الشامخ. لأن الوطن هو الحاضنة الجامعة وهو الهوية العليا وهو الهدف الأسمى.
فليكن شعارنا دائما وأبدا: الوطن فوق كل اعتبار.
